هناك الكثير من الاسباب التي تجعل الكثير من المشكرين يقولون ان
يس هناك بعث ايضا لا يعارفون بقيام الساعه او يوم القيامة ولذلك
اختاروا عبادة الاصنام للقيام بما يحلو لهم وايضا علي هواهم ورفضوا
البعث لانهم رفضوا اتباع الدنيا واتباع الرسول ولكن لو كانوا يعرفون ان
كل هذا خطا بعد الموت وندما علي ما فعلوه
تقدم في المقطع السابق الحديث عن شبهات المشركين حول الرسول صلى الله
عليه وسلم، ثم انتقل في هذا المقطع إلى الحديث عن السبب الحقيقي لتكذيبهم.
فإن تكذيبهم مبني على إنكار الساعة، وجاء تقرير الساعة مفصلاً بسرد وقائع تقع
بعد قيام الساعة إمعاناً في التقرير والتوضيح، فكأن وقوع الساعة والبعث بعد الموت
للحساب أمر مفروغ منه، ولكن قد يلتبس عليهم صور أهل الشقاء فلا يعرفونها فجاء
ذكر مصير المكذبين بالساعة والسعير المتقد عليهم.
إن الكافر لا يريد الإيمان باليوم الآخر لأسباب عدة منها
الأول: الإيمان بالساعة يكون مفارقته لما هو عليه من الأمور التي اعتادها واطمأن إليها
فإن كان ذا مال فارق هذه الملذات التي يوفرها له هذا المال، وإن كان ذا
جاه ومنصب
فارق هذه المكانة، وإن كان ذا نفر وأتباع فارقهم وفي كل ذلك حرمان وشعور بالوحشة
والضيق.
الثاني: الإيمان بالساعة: يعني تعرفه على النعم التي أوتيها في الدنيا، فإن كان ذا
مال حوسب عليه من أين اكتسبه وفيم أنفقه. وإن كان ذا جاه ومنصب ماذا عمل
به
وفيم سخر منصبه وجاهه. وإن كان ذا صحة معافىً في بدنه سئل عن عمره ووقته
وشبابه فيم أبلاه وأفناه.
ولا شك أن كلَّ ذلك حسب موازين ومقاييس ربانية، وكل مخالفة في الالتزام بالمقاييس
يعرضه للعقوبة والجزاء.
الثالث: الإيمان بالساعة: يعني الفضيحة والتشهير والخزي والندامة لمن قاوم دعوة
الحق وكذّب المرسلين. فكم كان يتبجح صاحب الدعاوى ويتطاول على أهل الحق
ويستخدم سلطانه ونفوذه وماله وجاهه لتحقير أهل الحق والنيل منهم وإذلالهم. ويوم
القيامة ينادى على هؤلاء الطغاة البغاة على رؤوس الأشهاد فيؤتى بالمتكبرين فيكونون
كالذر يداسون بالأقدام[2].
لكلِّ ما تقدم من أسباب ولغيرها لا يريد الكافر تذكيره بالموت، ومن ثم بالساعة وما
يعقبها من حساب وجزاء. ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ﴾
[الفرقان: 11].
إذن ليس المانع لهم من قبول دعوة الحق هو كون الرسول يأكل الطعام ويمشي في
الأسواق، أو لأنه لم ينزل معه ملك يؤازره، أو لأنه ليست له كنوز وجنات. فإنهم
يعلمون
أن الله قادر على كلِّ ذلك وأكثر، فقد زادت خيراته وتنامت نعماؤه على ما يتصورونه
من
متاع الدنيا، ولكن ليس ذلك هو السبب.
اتت في بعض الأحاديث أن الله خير نبيّه أن يجعله ملكاً رسولاً أو عبداً رسولاً
فاختار
رسول الله أن يكون عبداً رسولاً، فتواضع لله فرفعه عزَّ وجلّ فكان أشرف الأنبياء
والمرسلين[3]. وخيّره أن يقلب له جبال مكة ذهباً تسير معه حيث سار، فاختار أن
يكون عيشه كفافاً يشبع يوماً ويجوع يوماً، وادخر ذلك للآخرة[4].
المعنى الإجمالي للمقطع:
انتقل المقطع إلى ذكر الدافع الحقيقي للمشركين في تكذيب الرسول وإيراد الشبهات
عليه وهو إنكارهم قيام الساعة والبعث بعد الموت للحساب والعقاب، وكما تقدم لأن
في الإيمان بالساعة هدماً لملذاتهم وتنغيصاً لمتعهم الهابطة، وإثارة القلق لديهم
في محاسبتهم على جرائمهم التي ارتكبوها في حياتهم الدنيا.
ولم تورد الآيات الكريمة الأدلة العقلية على قيام الساعة وتقرير إمكانها وقدرة الله عليها
– كما جاءت في سياقات أخر – وإنما ذكر جزاء من ينكر الساعة ويكذب وقوعها،
فالنار
المستعرة مهيأة معدة لمن كذّب بها، إذا ظهرت للناظر وكانت على مرأى منهم سمعوا
الدوي الهائل الذي يدور في جنباتها وهي تكاد تتميز من الغيظ والحنق من أقوال
المجرمين العتاة وأفعالهم وأحوالهم تجاه رسالات ربهم، كلما ألقى فيها فوج سمعوا
لها شهيقاً وهي تفور.
إنها مخلوقة كمخلوقات الله الحية التي نشاهدها تعتورها حالات الغضب والسخط
وتزفر لتنفس عما في جوفها من الغيظ، وتشهق لتجذب إلى جوفها أفواج العتاة الطغاة،
إنها تتطلع إليهم وهم في طريقهم إليها يساقون إلى حتفهم وهي تتلمظ غيظاً وحنقاً
عليهم، إنه لمنظر رهيب يرونه، ومشاعر خائفة تسيطر عليهم، ولكن لا مناص فهم
يساقون إليها سوقاً ويجرون إليها بالسلاسل مقرنين بالأصفاد.
ثم ليستقر بهم المقام أن يكبوا فيها كباً على وجوههم ومناخرهم، وتتعاظم أجسادهم
لتتسع دائرة مس العذاب حتى يكون ناب أحدهم كجبل أحد[5] وتضيق جهنم – على
سعتها بأحدهم حتى يكون كالزج للرمح، فلو كانوا في تلك الحال مطلقي الأيدي
والأرجل لم يستطيعوا التفلت، فكيف وهم مقرنون بالأصفاد قرنت أيديهم إلى أعناقهم،
فليس أمامهم إلا الدعاء بالويل والثبور والهلاك على أنفسهم، وعلى من تسبب في
تحديد هذا المصير.
﴿ قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ… ﴾ [الفرقان: 15].
حسب عادة القرآن الكريم ومنهجه في التزاوج بين الترهيب والترغيب والإنذار والبشارة
جاء ذكر ما ينتظر المتقين من النعيم المخلد بعد ذكر ما أعد للأشقياء التعساء الذين
كذبوا بوقوع الساعة من النار المستعرة. ويأتي ذلك على صيغة الاستفهام للتوبيخ
والتقريع. ولما كان الدافع الحقيقي للمشركين في التكذيب بالساعة هو تعلقهم
بمتعهم الدنيوية ورغبتهم في الاستمرار عليها وعدم زوالها، والإيمان بالساعة معناه
انتهاؤها وزوالهم عنها. جاء التأكيد على الخلود في مثوبة المتقين، فالجنة خالدة لا
تزول ولا تنتهي ﴿ قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الفرقان:
15].
ولقطع دابر الظن أو توهم تناوب أصحابها عليها جاء التأكيد على خلودهم ودوامهم
فيها ﴿ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ ﴾ [الفرقان: 16].
وموضوع الزوال وعدم الخلود نقطة الضعف في كينونة الإنسان، فهو يرغب في
الاستمرار وعدم الزوال، يرغب في الخلود في الدنيا وعدم الموت، ويرغب في خلود
الصحة عليه وعدم الهرم، ويرغب في خلود الغنى وعدم زوال المال عنه، ويرغب في
خلود الجاه وعدم الزوال عنه، ويرغب في خلود الاستمتاع والملذات وعدم الانتهاء…
ولعل إبليس أدرك نقطة الضعف هذه في الإنسان فخاطب أبا البشرية آدم بقوله:
﴿ … هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120].
ظهر التأكيد على الخلود مرة للجنة ونعيمها وثانية لدوامهم فيها واستمرارهم وهو
أقصى ما تتطلع إليه الكينونة الإنسانية.
ثم التأكيد الثاني على تلبية الاحتياجات والرغبات (لهم فيها ما يشاؤون) وما يشاؤون
من الملاذ من مآكل ومشارب وملابس ومساكن، ومراكب ومناظر، وأزواج وغير ذلك
مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وهو وعد من الله قطعه على نفسه ﴿ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ
قِيلًا ﴾
[النساء: 122].
﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ﴾ [الفرقان: 16].
وبعد تلك الصور المتقابلة لشقاء التعساء ونعيم السعداء، يتجه السياق إلى تحديد
المسؤوليات في الحياة الدنيا، لقد أنزل الله الكتب، وأرسل الرسل، ومنح العقول، وخلق
الناس على الفطرة، ووضع كل المقومات الذاتية في الإنسان وخلق كل الدلائل والبراهين
الكونية لتشده إلى الهداية شداّ، ومع ذلك وجد الضالون الناكبون عن طريق الحق، فمن
المسؤول عن ضلال هؤلاء؟.
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ
ضَلُّوا
السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ
مَتَّعْتَهُمْ
وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ﴾ [الفرقان: 17 – 18].
وبعد ذلك الاستعراض للصور المتقابلة لشقاء التعساء ونعيم السعداء تعرض صورة
لاستجواب العابدين ومعبوديهم، كل عابد وما عبد من دون الله، سواء كان هذا المعبود
صنماً من حجر أو شجر، أو كان مخلوقاً من جن أو إنس أو ملك، أو
كان كوكباً من شمس
أو قمر، أو كان مبدأ من علم أو قوم أو وطن، أو كان هوىً من
جاه أو زعامة أو… ليقفوا
في صعيد واحد أمام عابديهم، ويوجه الاستجواب الرهيب إلى المعبودين سواء كانوا
على علم بعبادة هؤلاء لهم أم لم يكونوا عالمين ولا راضين ﴿ … فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ
أَضْلَلْتُمْ
عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ﴾ [الفرقان: 17].
شيء معروف أن لا يكون في هذا اليوم إلا مقولة الحق والصدق، فلا يستطيع أحد
أن
يخفي شيئاً أو ينكر شيئاً. فأما المعبودون من دون الله ممن لم يرضوا بعبادة الناس
لهم كالملائكة والأنبياء والصالحين، ومن مخلوقات الله التي ليس من شأنها النطق
في الحياة الدنيا كالكواكب والأشجار والأحجار، فتقول بلسان المقال أو بلسان الحال
﴿ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ… ﴾ [الفرقان: 18].
ننزّهك ونقدّسك عن سفه السفهاء وجهل الجهلاء، وإننا كنا في حياتنا الدنيا نعبدك
ونثني عليك الخير كله، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، فكيف نتخذ من دونك أولياء،،
كيف ندعو الناس إلى عبادتنا ونحن مشفقون من هذا اليوم والمساءلة فيه “إننا نعلم
أنه لا ينبغي لنا فكيف نحاوله”
﴿
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 57].
وإلى جانب توجيه الخطاب العام للمعبودين عامة، يخص بعض الأفراد والأجناس بخطابات
خاصة. فمن الذين عُبدوا من دون الله عيسى عليه السلام فيخص بخطاب: ﴿ وَإِذْ قَالَ
اللَّهُ
يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ
مَا
يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا
فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ
مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي
وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 116 – 117].
عرفة عبادة لدى الجاهلين فيوجه لهم خطاب أيضاً: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ
لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ
الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ
ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [سبأ: 40 – 42].
كما جعلت أقوام بين الله وبين الجِنَّةِ نسباً فعبدوهم من دون الله ليقربوهم إلى الله
زلفى، ويشفعوا لهم عند الله، وما دروا أنهم جميعاً محاسبون ﴿ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ
نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ
الْمُخْلَصِينَ * فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ
الْجَحِيمِ * وَمَا
مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴾ [الصافات:
158
– 166].
أما أهل الغواية والضلال من جند إبليس فيتبرأون من عابديهم أيضاً ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ
الَّذِينَ اتُّبِعُوا
مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا
كَرَّةً
فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ
مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 165 – 167].
لقد انقشع الزيف عن الآلهة الكاذبة، وظهرت حقيقة الداعين إلى الغواية، ودعا الأتباع
آلهتهم على الرغم من ظهور الحق، استجابة للأمر الرباني، حيث يبلغ التوبيخ والنكاية
بأهل الضلال مبلغه ﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا
لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا ﴾ [الكهف: 52].
إن فاصلاً من الكره والبغضاء يفصل بين الطرفين، وبعد أن تبرأ المتبوعون من الأتباع يأكل
الغيظ قلوب الأتباع ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا
تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [فصلت: 29].
إذَن فما سبب غواية هؤلاء القوم وضلالهم عن سواء السبيل، إن لم يكن للمتبوعين
شأن في دعوتهم إلى الضلال.
لقد أشارت الآيات الكريمة إلى السبب الأساس في ضلالهم وهو بطرهم واستمتاعهم
بما منحوا من الهبات والمزايا والمنح، ولئن كان السياق في الكفار عامة فالمشركون
من قريش يدخلون دخولاً أولياً في هذا المجال؛ لأن السياق يخصهم وهم الذين اتخذوا
المواقف السابقة من القرآن الكريم ومن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فمن صور ما منحوا أن هيأ الله جل وعلا لهم حياة رغيدة حيث كان يجبى
إلى أم القرى
ثمرات كل شيء يقول عزَّ من قال: ﴿ … أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى
إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ
شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 57].
وأمن لهم رحلة الشتاء إلى اليمن السعيد، ورحلة الصيف إلى الشام المبارك، وكل
القبائل ترعى مكانة قريش لأنهم سدنة بيت الله الحرام ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ
رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ
خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 – 4].
وجعل لقريش
المكانة والزعامة في قلوب القبائل العربية: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ
مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67].
وكان عليهم أن يدركوا حقيقة هذه النعم ويؤدوا شكرها إلى واهبها، ولكنهم بطروا
وعتوا واستكبروا، وسخروا هذه النعم في الصد عن سبيل الله ومحاولة إطفاء نور الله.
وتعذيب عباد الله. ﴿ … وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ﴾
[الفرقان: 18].
لقد استحقوا بصنيعهم هذا الهلاك والبوار، فقد خلت نفوسهم من الخير وأصبحت
الملذات والمتع الهابطة تسيطر على عقولهم ومشاعرهم، وأصبحت القلوب قاسية
والعقول مظلمة والنفوس خاوية، إنه البوار الذي لا ينتج شيئاً كالأرض البور والصحراء
القاحلة.
ويعود السياق القرآني إلى تبكيت الضالين مرة أخرى، كيف كنتم تحملون هؤلاء
المعبودين مسؤولية ضلالكم ها هم قد كذبوكم في قولكم ولم يأمروكم بشيء مما
قلتموه، فما التوجيه عندكم لما كنتم عليه من ضلال، وما المعدل الذي يعدل بكم عن
المصير المحتوم السيء. ﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا
مَصْرِفًا ﴾ [الكهف: 53].
ولا يجدون من ينقذهم من هذه العذاب الرهيب، إنه العذاب الكبير للظالمين الذين
اتخذوا مع الله شركاء، وكذبوا بكتابه وعادوا رسوله، ولم يرفعوا لدعوة الحق رأساً ولم
يلقوا لنداء الله أذناً صاغية.
المناسبة بين المقطع الثالث والمحور:
في هذا المقطع نوع من الاستطراد، فبعد ذكر الدافع الحقيقي للمشركين لتكذيب
الرسول وهو تكذيبهم بالساعة استطرد السياق إلى ذكر ما يجري للمكذبين عند
قيام الساعة وألوان العذاب التي يلاقونها، والتوبيخ الذي يتعرضون له نتيجة المجابهة
بينهم وبين معبوديهم.
فالمعرفة بالمحور إذن هو أن إثارة الشبهات حول الرسول ما هو إلا من باب ذر
الرماد
في العيون ومحاولة توضيح المواقف وإخفاء الدافع الحقيقي للتكذيب.
الإضراب إما انتقالي أو إبطالي، ويأتي الإضراب الإبطالي في صدد الرد على الكفار
ومزاعمهم ومعتقداتهم وغيرها. أما الانتقالي فيأتي في تقريرات الله سبحانه وتعالى
ابتداء وتدرجاً… وهنا جاء بأسلوب الإضراب الانتقالي (الإضراب عن توبيخهم لمقولتهم
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتقال إلى تعليل هذه المقولة) وهو أسلوب
كثير الاستعمال في القرآن الكريم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في
صور الناس يعلُوهم كل شيء من الصغار…”. انظر مسند الإمام أحمد: 2/ 179؛ ورواه
الترمذي في أبواب صفة القيامة: 4/ 67، وقال عنه: حديث حسن صحيح.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: “جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل” فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم
خلق
قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك، قال: أفملكاً نبياً يجعلك أو
عبداً رسولاً؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد، قال: بل عبداً رسولاً”. انظر المسند:
2/ 231.
روى الإمام أحمد في المسند والترمذي في سننه في باب الزهد عن أبي أمامة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: “عرض علي ربي عز وجل ليجعل لي بطحاء مكة
ذهباً، فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً… فإذا جُعت تضرعت إليك وذكرتك،
وإذا شبعت حمدتك وشكرتك”. انظر المسند: 5/ 254؛ وسنن الترمذي، باب الزهد:
4/ 6. وقال: هذا حديث حسن.
وى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: “ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أُحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث”. انظر صحيح
مسلم، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء: 8/ 154.
﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ تعظيم لله تعالى في مقام الاعتراف بأنهم ينزهون الله عن أن يدعوا
لأنفسهم مشاركته في الإلهية.
قال أهل المعاني: “بما تقولون” الباء بمعنى في. والفاء فصيحة في قوله:
﴿ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ﴾ تقديره: إن قلتم هؤلاء آلهتنا فقد كذبوكم في مقالتكم.
ما سبب تكذيب المشركين بالبعث
, اهم اسباب تكذيب المشركين
ما سبب تكذيب المشركين بالبعث